مساعد “قيصر”: غامرنا لتهريب أدلة تعذيب المعتقلين بسوريا ولست نادما

كشف أسامة عثمان، مساعد قيصر العسكري المنشق عن نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، الذي وثّق انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده. عن تفاصيل تهريب الأدلة ودورها في فضح جرائم النظام، مؤكدا إلى أنه ليس نادما على مغامرته.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع عثمان المعروف باسم “سامي”. الذي كان مكلفا بتوثيق جثث المعتقلين التي كانت تنقل إلى المستشفيات العسكرية بسوريا.
وللمرة الأولى، كشف قيصر عن هويته وهو المساعد أول فريد المذهان. رئيس قلم الأدلة القضائية بالشرطة العسكرية في دمشق، وروى تفاصيل نقل تسريبات الوثائق للعالم عن جرائم التعذيب والقتل في سجون نظام الأسد، وذلك ضمن حلقة خاصة من برنامج “للقصة بقية” على قناة الجزيرة القطرية الخميس.
وفي إفاداته المعلنة للمرة الأولى، قال المذهان المنحدر من درعا جنوبي سوريا. إن “أوامر التصوير وتوثيق جرائم نظام بشار الأسد تصدر من أعلى هرم السلطة للتأكد من أن القتل ينفذ فعليا”.
صداقة 15 عاما
ويقول عثمان إن “ملف قيصر كشف عن حجم العنف الذي مارسه نظام الأسد. مشددا على أن “خوض عمل بهذا الحجم والخطورة يتطلب ثقة مطلقة بين المتعاونين”.
ويوضح أن صداقته بـ”قيصر امتدت لأكثر من 15 عاما، قائلا: “الثقة بيننا ترسخت على مدى هذه السنوات، وعندما قررنا توثيق جرائم النظام البائد، كنا ندرك المخاطر التي تواجهنا”.
ويضيف أن “خياراتنا كانت محدودة، إما المخاطرة بحياتنا وحياة أسرنا عبر الانشقاق، أو الاستمرار في خدمة نظام لم نؤمن به مطلقا”.
ويؤكد أن “الأدلة التي تم جمعها ساعدت في إنشاء أرشيف وثائقي لكشف مصير المختفين قسرا في سجون الأسد”.
وفيما يتعلق بسيرته، يلفت عثمان إلى أنه كان مهندسا مدنيا قبل اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011.
ويتابع: “عندما حصلنا على أولى الصور التي كشفت عن حجم التعذيب المروع للمعتقلين. في سجون الأسد، قررنا أنا وقيصر توثيق مزيد من هذه الجرائم، ثم تهريب الأدلة إلى خارج البلاد”.
ويلفت إلى أن الهدف في البداية لم يكن تهريب الأدلة. بل جمعها لتوفير دليل يتيح لعائلات الضحايا معرفة مصير أبنائهم بعد سقوط النظام.
ويبين أن “العيش في المدينة التي كان يعمل فيها قيصر ساعدهما في اللقاء اليومي وحفظ الوثائق والأدلة بطريقة آمنة، ما سهّل عملية جمع البيانات وتوثيقها بشكل مستمر”.
وعن نتائج تلك الجهود، يقول عثمان إن “العالم وخلال الشهرين الماضيين فقط، بدأ يدرك وحشية النظام البائد، وخاصة بعد فرار بشار الأسد إلى خارج البلاد (روسيا)”.
ويوضح أنه وقيصر كانا يعيشان في مدينة التل بريف دمشق، مشيرا إلى أنهما كانا يضطران إلى السفر يوميا عبر مناطق سيطرة كل من الجيش الحر والنظام البائد، وهو ما وصفه بـ”الرحلة المحفوفة بالمخاطر”.
وعن أكثر الصور رعبا، يقول عثمان: “آلاف الصور التي التقطناها كانت مرعبة، ومن الصعب أن تحدد أيها الأسوأ”.
ومتحدثا عن مخاطر المهمة: “كنا نوثق هذه الجرائم ونحن نعيش في منطقة مهددة بالاجتياح من قبل النظام البائد في أي لحظة”.
“كنت أنظر إلى أطفالي وأشعر أن وحشية النظام قد تستهدفهم يوما. وكنت أخشى أن يدخل مجرموه بيتي ويكرروا الفظائع نفسها التي رأيناها في الصور”، وفق عثمان.
الرحلة إلى قطر
ويتحدث عثمان عن التحديات التي واجهها فريقه بعد نشر الصور. قائلا: “بعد مغادرتنا سوريا أواخر 2013، وأثناء زيارتنا إلى قطر، تم تسريب جزء من الصور في يناير/ كانون الثاني 2014”.
ويكمل: “قدمت الحكومة القطرية دعما قانونيا للتحقق. من صحة هذه الصور، لكن بمجرد أن انتشرت في وسائل الإعلام، أدركنا أننا أصبحنا أمام مخاطر تهدد حياتنا”.
ويبين عثمان أن “سامي” وقيصر اسمان حركيان جرى الاتفاق على استخدامهما خلال وجودهما في قطر.
ويشير إلى وجود أسماء أخرى في الفريق “لا يزالون يعملون على ملفات خطيرة، ويفضلون إبقاء هوياتهم سرية في الوقت الراهن” دون مزيد تفاصيل.
ويذكر عثمان أن حياته تغيرت بالكامل بعد يناير 2014، قائلا: “منذ ذلك الوقت، اختفى أسامة إلى الأبد، ووُلد سامي”.
ويزيد: “هويتي الجديدة أثرت على حياتي العائلية، وعشت في خوف مستمر، لأنني كنت أعلم أن النظام لا يرحم أحدا بما في ذلك أقارب الشخص المطلوب، حتى لو كانوا من الدرجتين الثانية أو الثالثة، إذ كان لدي أقارب لا يزالون داخل سوريا، وبذلنا جهدا كبيرا لإخراجهم بأمان”.
وبشأن الكشف عن هويته الحقيقية، يقول عثمان إن ذلك لم يحصل إلا بعد يومين من فرار بشار الأسد، مشيرًا إلى أن أعضاء الفريق كانوا يتجنبون الظهور العلني لأسباب أمنية، ولجأوا أحيانا إلى متحدثين رسميين للتكلم نيابة عنهم.
ويستطرد أن هذا النهج لم يكن دائما فعالا، “كان لا بد لنا من التحول إلى العمل العلني، ولم يقتصر عملنا على ملف قيصر فحسب، بل شكل هذا الملف 5 بالمئة من جهودنا”.
ويلفت عثمان إلى أهمية الصور التي وثقوها باعتبارها تثبت مسؤولية النظام البائد عن وفاة العديد من المعتقلين تحت التعذيب.
ويفيد بأن الحكومة القطرية تحققت من صحة الصور في يناير 2014، ثم جرى تسليم الملف إلى السلطات الفرنسية والألمانية.
ويمضي عثمان بالقول إن وزارة العدل الألمانية أكدت صحة الأدلة بشكل “لا يدع مجالا للشك”.
ويعتبر أن شهاداتهم أمام المحاكم الفرنسية والألمانية، إلى جانب التقارير والوثائق المقدمة، “وضعت الأساس القانوني لمحاكمة مجرمي النظام البائد على مستوى العالم”.
ويشدد على أن هذه الأدلة “مهدت الطريق للإطاحة بنظام الأسد ومحاكمته دوليا”.
ليست نادما
ومؤكدا صحة مهمته رغم خطورتها، يشدد عثمان على أنه حتى لو عاد الزمن به إلى عام 2011، فإنه سيتخذ القرار نفسه مجددا.
ويوضح في هذا السياق، أن “الأمر كان يستحق التضحية والمخاطرة من أجل القضاء على هذا المجرم، فحياتي ليست أغلى من حياة أولئك الذين قتلوا تحت التعذيب”.
وبشأن مستقبل مهمته، يقول عثمان إن الأولوية هي تحقيق العدالة. وبناء مجتمع قوي، مرجحا أن يكون حكام سوريا الجدد جديرين بالثقة، لكنه يتساءل في الوقت نفسه: “من يضمن أنهم لن يتغيروا مع مرور الزمن؟”.
ويردف: “يجب أن يمتلك المجتمع الأدوات التي تضمن استقراره واستمراريته. وهذا هو النهج الذي تبنيناه في فريقنا منذ 10 سنوات وحتى اليوم في إطار جهودنا القانونية المستمرة”.
وبعد هروب الأسد وسيطرة الفصائل السورية على المدن وفتح السجون. والمعتقلات والأفرع الأمنية والإفراج عن المعتقلين، ظل عشرات آلاف المعتقلين مفقودين دون أثر، مع اكتشاف مقابر جماعية تشير إلى احتمال أن يكون المفقودون في عداد الموتى.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها. على العاصمة دمشق، لينتهي بذلك 61 عاما من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وفي اليوم التالي، أعلن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، الذي أصبح لاحقا رئيسا للبلاد، تكليف محمد البشير بتشكيل حكومة لإدارة المرحلة الانتقالية.
ويقول السوريون إن زوال نظام الأسد يمثل نهاية حقبة رعب عايشوها على مدى عقود، إذ شكلت سجونه كوابيس لهم جراء عمليات التعذيب الممنهج، والتنكيل، والإخفاء القسري.
المصدر: الأناضول