دخلت السيدة الفاضلة “فاطمة الفهرية” الملقّبة بأم البنين التاريخ من أوسع أبوابه. وأصبحت من أشهر النساء اللواتي عكسن الصورة الحقيقية لدور المرأة الاجتماعي في الحضارة الإسلامية. حيث أسست مسجداً تحول تدريجياً إلى جامعة.
وأشرفت فاطمة على بناء المسجد بنفسها ليكون بأفضل صورة وأبهى حلّة. وبالفعل فقد أصبح تحفة معمارية مزينة بزخارف إسلامية باهرة جعلته يصبح محط أنظار سلاطين الدولة المغربية. وأسمته مسجد “القرويين” تيمناً بمدينة القيروان مسقط رأسها. الذي تحول فيما بعد إلى جامعة تخرج منها كبار العلماء المسلمين والعجم. وتصبح مدينة “فاس” في المغرب قِبلة لطلبة العلم من كل مكان.
جامعة “القرويين” أقدم جامعة في العالم
صُنفت جامعة القرويين على أنها أقدم جامعة في العالم. حيث تم بناؤها في عهد السلطان يحيى بن إدريس الثاني. وتحت إشرافه في شهر رمضان المبارك عام 245 هـ- كانون الأول/859 مـ بمدينة “فاس” في المغرب. وتحول الجامع إلى جامعة عام 1877 بفضل الدروس والحلقات العلمية. التي كانت تقام في فنائه الواسع. لخدمة طلاب العلم في زمن الدولة المرينية. وبعد إنشائه بقرنين تقريباً، تم إنشاء أول جامعة في العالم الغربي. وهي المدرسة الطبية بـ ساليرن التي أُنشئت في صقلية جنوب إيطاليا عام 1050.
تَتلمذ في جامعة القرويين وتخرج منها نخبة من كبار العلماء المسلمين والعجم. ومنهم الطبيب والفيلسوف والقاضي الأندلسي ابن رشد، وابن خلدون، وابن باجة، والشريف الإدريسي مؤسس علم الجغرافيا. وعالم الرياضيات الفلكي الشهير ابن البناء المراكشي، وبابا الفاتيكان سيلفستر الثاني الذي يشهد التاريخ. أنه أول من نقل علم الأرقام إلى أوروبا التي كانت غارقة في الجهل، وغيرهم الكثير.
أقدم مكتبة في العالم
فضلاً عن تأسيسها أول جامعة في العالم، أنشأت فاطمة الفهرية “مكتبة القرويين” التي أنشأت في العصر المريني واعتبرها دارسون أقدم مكتبة في العالم، فكانت ذخيرة هامة ومرجعاً أساسياً لطلبة العلم بكل أقسامه، حيث ضمت المكتبة آلاف الكتب العلمية والمجلدات والمؤلفات، فضلاً عن 4000 مخطوطة تشمل مخطوطات للقرآن الكريم من القرن التاسع الميلادي ومجموعة من أقدم مخطوطات كتب الأحاديث النبوية، منها ما يزال موجوداً حتى اليوم، لتنضم إليها فيما بعد مكتبة السلطان الموحدي يوسف بن عبد الله المؤمن، لتصبح مكتبة ضخمة تنافس مكتبة قرطبة التي كانت تضم أكثر من ستمئة ألف كتاب.
من هي فاطمة الفهرية؟
ولدت فاطمة بنت محمد الفهرية سنة 800 م في مدينة القيروان التونسية، والدها هو الفقيه محمد بن عبد الله الفهري. وهو رجل عربي تونسي يعود نسبه إلى عقبة بن نافع الفهري فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان. وقد هاجرت من القيروان التونسية إلى أقصى المغرب مع والدها واختها الوحيدة “مريم”. لتستقر في مدينة فاس، ثم تزوجت. وماهي الا فترة قليلة حتى توفي والدها وزوجها، لترث عنهما ثروة طائلة. ثم عمدت إلى رأسها فكرة انشائه ليكون صدقة جارية لها بعد أن يتوفاها الله، ويكون ذخراً لها يوم القيامة.
عرفت فاطمة الفهرية بصلاحها وإحسانها، وكرمها على الفقراء والمساكين وطلاب العلم خاصة في شهر رمضان المبارك، لقّبت بـ “أم البنين”، وقد قيل أن فاطمة بقيت صائمة ومتعبدة وناسكة طيلة فترة بناء المسجد التي استمرت لـ 18 عاماً، وتقول الدراسات التاريخية أنها بذلت مالاً وفيراً لبناء المسجد وتصميمه أفضل تصميم، وأصرت على أن يبنى مسجد القرويين من تراب الأرض التي اشترتها من رجل من قبيلة هوارة، وحفرت بئراً في فناء المسجد ليرتوي منه البنائين ويستخدم في أعمال البناء، كما أشرفت على بنائه بنفسها ليكون بأفضل شكل وأجمل زخرف، وبالفعل فقد أتمت المهمة وكأنها مهندسة بارعة، وكان تصميم القرويين مربعاً كسائر تصميم المساجد الأولى آنذاك، إلا أن تربيعه لم يكن تاماً، وتبلغ مساحته حوالي 1600 مترٍ مربعٍ.
تحرير: فاطمة اليوسف