fbpx
شخصيات تاريخيةمشاهير وأعلام

مسيحي بروتوستاني تولى وزارة الأوقاف في سوريا وعُرف بحب الشعب الكبير له من هو “فارس بيك الخوري” ؟

وُلد “فارس بيك الخوري” لعائلة مسيحية بروتوستانية عام 1877 في قرية كفير في لبنان، أرسله والداه للتعليم منذ نعومة أظفاره، وأصبح متفوقاً على جميع أقرانه.

حصل الخوري على بكالوريوس في العلوم من الجامعة الانجيلية في بيروت، ودرس الحقوق، منحته جامعة كاليفورنيا الدكتوراة الفخرية في الخدمة الخارجية، اعترافاً بفضله العظيم في إطار العلاقات الدولية الدبلوماسية.

 يحمل الخوري الجنسية السورية، ويتكلم ثلاث لغات إلى جانب لغته الأم، هم الإنجليزية والفرنسية والتركية، عمل الخوري في شبابه مدرساً وترجماناً، ونقيباً للمحامين، كما درّس للقانون.

أسر السياسي والدبلوماسي “فارس الخوري” قلوب السوريين، وأدهشهم بذكائه وحنكته في مواطن كثيرة، وكان له دور هام بين عامي 1910 _1962 في تأسيس الجمهورية العربية السورية، ترأس “فارس بيك الخوري” الكتلة الوطنية في منتصف أكتوبر من العام 1944، وكان من القادة المحاربين للانتداب الفرنسي، وأصبح وزيراً لحزب الشعب في أوائل نوفمبر عام 1954، كما كان أول سوري يترأس مجلس الأمن الدولي، ووزيراً للمعارف في حكومة الداماد “أحمد نامي” في 26 نيسان 1926.

“فارس بيك الخوري” مسيحيٌّ أحب وطنه ولم يقع في فخ الطائفية..

على الرغم من أن الخوري مسيحي الديانة، إلا أنه لم يقع في فخ الطائفية مطلقاً، أحب وطنه ودافع عنه بكل دياناته، ولم يفرق بين مسيحي ومسلم؛ خطب في الجامع الأموي بعد أن قال له غورو بأن فرنسا جاءت لحماية مسيحيي الشرق من مسلميه، ليقول الخوري في خطابه؛ إذا كانت فرنسا تدعي بأنها احتلت سوريا لحمايتنا نحن مسيحيي الشرق فأنا كمسيحي اطلب الحماية من شعبي السوري، واشهد أن لا إله الا الله، ثم أقبل عليه المصلون وحملوه على أعناقهم، وخرج أهالي دمشق مسيحيون ومسلمون في مظاهرات حاشدة يهتفون لا إله الا الله.

تولى الخوري وزارة الأوقاف الإسلامية، وحين اعترض بعض المسلمين بسبب ديانته المسيحية، قال “عبد الحميد الطباع” نائب الكتلة الإسلامية آنذاك بضع كلمات مؤثرة؛ “اننا نؤمن بك فارس الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا”، عرف الخوري بدعمه للقضية الفلسطينية، وقال بأنها “تحل على ثرى فلسطين، وليس في أروقة مجلس الأمن”.

دافع الخوري عن اقتصاد سوريا أيضاً، ففي الفترة التي تولى بها منصب رئيس المالية لثلاث وزارات في حكم الملك فيصل، ربط العملة السورية بالذهب لضمان استقرارها، أعجب السوريون كثيراً بأمانة هذا الرجل العظيم، وزاد إعجابهم به حين رفض جميع المشاريع التجارية للتصرف بمياه نهر الفيجة، بما فيهم مشروعاً فرنسياً ضخماً، حيث فضل الخوري أن يقدم لشعبه مشروعاً خدمياً يروي جميع السوريين حتى يومنا هذا.

وزيراً يدعم الثورة السورية الكبرى.. فتمت إحالته

لم يلبث الخوري طويلاً في منصبه، فقد تم حلّه بعد أشهر قليلة بسبب دعمه لقادة الثورة السورية الكبرى التي انطلقت من جبل الدروز عام 1925، بقيادة سلطان باشا الأطرش.

وبعد أن ترك الوزارة، خرج إلى جبل الدروز للقتال ضد الفرنسيين، لكن ألقي القبض عليه يوم 26 آب من العام 1925 بتهمة العمل مع ثوار غوطة دمشق، ونقل إلى جزيرة أرواد ولمدة 76 يوم، قبل إطلاق سراحه.

الخوري ودوره في الكتلة الوطنية

انضم فارس الخوري إلى صفوف الكتلة الوطنية فور خروجه من سجن أرواد، التي أسسها هاشم الأتاسي وانتخُب رئيساً لها في مؤتمر وسط مدينة حمص عام 1927، في حين تم انتخاب الخوري “عميداً” للكتلة آنذاك.

كان الهدف الرئيسي للكتلة الوطنية هو توحيد صفوف الحركة الوطنية ومحاربة الاستعمار الفرنسي بالطرق السياسية السلمية لا العسكرية، خاصة بعد فشل الثورة السورية الكبرى وفشلها تحقيق أياً من أهدافها.

منع الخوري من الترشح لانتخابات اللجنة الدستورية لأنه كان من المسيحيين الأقلية جداً في البلاد، الذين لا يستوفون شروط التمثيل في الهيئات الوطنية المنتخبة، وبذلك تم استبعاد الخوري من صياغة الدستور عام 1928.

كان ذكياً، فنال ما أراد..

عرف الخوري بذكائه الحاذق، فخلال مناقشة قضية استقلال سوريا في مجلس الأمن، عارض الإنجليز والفرنسيون الانسحاب من سوريا، وادعى الانجليز بأن بقائهم ضروري حتى لا يقتتل السوريون مع الفرنسيين، بينما رفض الفرنسيون الانسحاب حتى لا يستولي الإنجليز على البلاد، فقال لهم فارس بيك هذا الوضع يذكرني بقصة القنديل الأحمر الذي نصب وسط أحد الشوارع، فسأله أحد الناس، لماذا نصب قنديل احمر هنا؟ فأُجيب بأنه نصب حتى لا يتعثر أحد المارة بالحجارة التي نصب عليها القنديل، ثم سأله لماذا وضعت الحجارة؟ فقيل له ليُنصب عليها القنديل، ضحك أعضاء مجلس الأمن لهذه النكتة، وبعد شهرين تم الجلاء.

قصص لا تخلو من الطرافة

ومن القصص الطريفة التي يذكرها الشعب السوري للبيك، هي عندما كان يبحث فارس عن طربوش يلائم رأسه، وعندما وجد طربوشاً مناسباً في أحد المخازن، طلب منه البائع ضعف الثمن الذي يدفعه عادة ً، فاعترض فارس قائلاً: لكن سعر الطربوش معروف وهو نصف ما تطلب..

فقال له البائع؛ إذا وجدت في كل الأسواق طربوشاً بهذا الحجم يلائم رأسك فادفع ما شئت

فأجابه الخوري على الفور؛ وأنت إذا وجدت في كل البلاد رأساً كهذا الرأس يعبي طربوشك فاطلب ما شئت.

بالإضافة إلى روح الفارس المرحة وخفة دمه، عُرف بقوة شخصيته ومواقفه القوية، فعندما دعي الجنرال غورو ووجهاء دمشق إلى مأدبة في قصر ناظم العضم (القصر الجمهوري حاليا) أيام الانتداب الفرنسي وسأله بتكبر؛ أهذا هو قصر حسين ناظم باشا؟ ليجيبه الخوري متحدياً؛ نعم يا صاحب القامة، هذا هو القصر الذي سكنه الملك فيصل والذي بناه والٍ عثماني اسمه نوري باشا ثم جمال باشا ثم حللتم حضرتكم، وجميع من ذكرتهم أكلنا معهم في نفس القاعة، وكلهم رحلوا وبقي القصر وبقينا نحن، فصمت الجميع في ذهول متوقعين نهاية الفارس، لكنها لم تكن!.

توفي فارس بيك الخوري في الأشهر الأولى من عهد الانفصال، يوم 2 كانون الثاني عام 1962 عن عمر يناهز 85 عاماً، وله ابن واحد يدعى سهيل الخوري، الذي تولى فيما بعد وزارة الشؤون البلدية والقروية، خرج نعش الخوري مجللاً بالعلم السوري على عربة مدفع، وذلك بأمر من رئيس الحكومة “ناظم القدسي” في ذلك الحين.

ميدل بوست: فريق التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى