يتناول فيلم (فيكتوريا وعبدول) فترة العصر الفيكتوري نسبة إلى الملكة فيكتوريا مستنداً على مذكرات عبد الكريم خادم الملكة التي اكتشفت بعد فترة من وفاته.
والفيلم من إخراج ستيفن فريرز ومأخوذ من كتاب الكاتبة الهندية (شراباني باسو) التي عالجت وحللت المذكرات التي تركها عبد الكريم بالإضافة إلى الاستفادة من مصادر تاريخية أخرى حتى تكون الأحداث واقعية.
ويركز الفيلم الذي بدأ بعبارة (مبني على أحداث واقعية) على آخر فترة في حياة الملكة فكتوريا وهي ملكة بريطانيا العظمى وأيرلندا والتي أضافت لنفسها لقبا مستحدثا وهو إمبراطورة الهند.
وتوّجت فيكتوريا ملكة في 1837 وتزوجت من الأمير ألبرت عام 1840 وأنجبا خمسا من البنات وأربعة من الصبيان خلال 17 عامًا، فكان زوجها يحكم معها لانشغالها بالأطفال حتى توفي عام 1840 وفترة حكمها هي ثاني أطول فترة حكم في تاريخ إنجلترا بعد الملكة إليزابيث الثانية ملكة إنجلترا الحالية.
حكمت فيكتوريا من 20 يونيو/حزيران 1837 وحتى وفاتها في 22 يناير/كانون الثاني 1901، أيّ 63 سنة. المعلومات التي رويت عن فيكتوريا منها ما يشهد بتصلب رأيها واستخفافها باللوائح، ومنها ما يصورها أنها لا تستشير حاشيتها حين تتخذ خطوة خارج جدولها اليومي الذي يضعونه لها.
شغل الفيلم حيزاً كبيراً من الاهتمام العربي والغربي حتى وصلت مكاسبه إلى 32 مليون دولار، وهو مبلغ ليس بالكبير إلا إذا عرفنا أنه لم يعرض في كل دور العرض.
وشكل اسم عبدول (Abdul) في عنوان الفيلم عامل جذب رئيسي للعرب مما دفعهم لمشاهدة الفيلم بنفس الشغف الذي وجد عند المشاهد الغربي لورود اسم فيكتوريا.
ونجد في الفيلم قصة عبد الكريم حيث كان في العشرينات من عمره فقط حين قابل الملكة، ومات بعد عودته إلى الهند بثمانية أعوام أي في الـ46، فهي تروي أهم سنوات عمره وأكبر أحداث حياته.
أمّا بالنسبة لفيكتوريا، فقد عاشت حياة طويلة يعد عبد الكريم الضلع الأخير فيها، لكن كان في حياتها رجال غيره وثقت بهم، حتى أنّ هناك فيلمًا وثائقيا بعنوان رجال فيكتوريا، فهي من الشخصيات المحيّرة لأي متابع، وحياتها العامة التي حرص البلاط الملكي أن يجمّلها مع شخصيتها المتطلعة العنيدة أرسلت رسائل متعارضة تركت مجالا واسعا للتخمين.
تجدر الإشارة إلى أن نفس القصة قدمها فيلم وثائقي آخر على أنها قصة حب واختار العنوان الملكة فكتوريا.. الحب الأخير” (Queen Victoria’s Last Love).
أما هذا الفيلم الذي بين أيدينا فقد نوّه بأنها علاقة كان من الممكن أن تتطور قبل أن يخبرها عبد الكريم بأنه متزوج، فما كان منها إلا أن أحضرت زوجته وأنزلت الأسرة في بيت ضيافة ملحق بالقصر، وكانت زوجته متنقبة. استمرت علاقة صداقة وولاء عميقة بين الملكة وخادمها أثارت دخيلة الحاشية فهددوا بالاستقالة الجماعية إن أنعمت عليه بلقب آخر يرفع مكانته.
ونال الفيلم انتقادًا كبيرًا من جميع الأطراف، فشخصية عبد الكريم شخصية متسلقة ذليلة لكنه يحمل حب دينه والاعتزاز به، ويظهر الذين يعادون عبد الكريم لأصله أو لونه أو دينه في صورة سطحية قاسية، بل ويعرض استخفاف الإنجليز لأهل البلاد الأخرى مثل إسكتلندا وليس فقط الهند. باختصار إن كان لديك حساسية من الصورة السلبية للمسلمين في السينما فستجدها، وإن كان لديك حساسية من الصورة السلبية للأسرة الإنجليزية الحاكمة فستجدها، لذا فإن الفيلم لم يرض أيّا من الأطراف.
بدأت الأحداث ساخرة تناسب الكوميديا الدرامية، ومع تقدم الحبكة وسن الملكة فيكتوريا ومرضها بدأ الحزن يخيّم على المناخ، ولم يكن مناسبًا أن تأتي النهاية سعيدة إلا بإقحام أحداث خيالية لا تتناسب مع الأحداث التاريخيّة، فجاءت النهاية حزينة.
عبد الكريم..الشاب المسلم الطموح
عبد الكريم كان شابًا هنديا مسلمًا يعمل كموظف في إدارة السجن في الهند، كان حافظًا للقرآن الكريم طموحًا ومطّلعًا، لكنه يكذب إن رأى في ذلك مصلحة له أو لقومه. كان طويل القامة عريض المنكبين، وكانت لديه رؤية ويلمح الفرصة حين تأتيه. اختير لمهمة قصيرة في إنجلترا، فقد كان عليه أن يذهب برفقة رجل آخر إلى القصر الملكي في بريطانيا العظمى ويقدم هدية رمزية للملكة فيكتوريا ثم يعود إلى الهند. وعلى الرغم من التشديد بألاّ ينظر للملكة ولا تلتقي عيناه عيناها فإنّه فعل، لاحظته فيكتوريا وأعجبت بمظهره ممّا أعطاه فرصة أخرى لتقديم حلوى لها، هذه المرة قيل له قدمها للملكة دون مزيد من الإرشادات، فقدمها وانحنى وقبّل قدميها، فأعجبت بذلك الاهتمام الذي أخرجها من رتابة الحياة والروتين، كذلك وهي المرأة التي عرفت بمخالفتها الأعراف وبولعها بالمغامرات.
كانت الملكة تتوق لمشاهدة ثقافات أخرى وكان لديها فضول من ناحية الهند التي تحكمها دون أن يسمح لها بزيارتها لدواع أمنية، فرأت عبد الكريم وجيها في زيه الهندي المزركش والعمامة الأنيقة، فكان ضالتها التي غيرت أواخر أيامها في هذه الدنيا، وجعلته خادمها الخاص، وأفسحت له المجال للتحدث عن الهند وعن إيران وعن ثقافات مختلفة.
علاقة عبد الكريم بالملكة
زاد تأثير علاقة عبد الكريم بالملكة فيكتوريا وبدأت تغيرات تحدث بالقصر الملكي، فظهر بهار الكاري على المائدة الملكيّة أسبوعيا. كذلك شارك عبد الكريم في تصميم بهو على التراث الهندي، واعتلت لوحته إحدى الحوائط. صار أيضًا يصحب الأسرة المالكة والخدم المقربين في رحلات الملكة للدول الأوروبية، ويقال إنه هو الذي خطط لرسم لوحة له ضمنهم وأرسل بها للصحف، وهذا يدل على إدراكه لأهمية رسم صورة لدى الناس وترسيخها في الأذهان. هل كان هدفه رسم صورة لنفسه أم التقريب بين الثقافتين؟ ربما تكون نواياه تأرجحت بين هذا وذاك تاركًا لنا الاستقراء. أيا كانت نيته فهي لا تعفيه من نقائص الكذب، فقد جمَّلَ مكانة أسرته البسيطة للملكة فيكتوريا ليبدو أنّه من سلالة أعلى، فخطر على بالها أن يكون معلمها الخاص وأعفته من مهمة خدمتها، وظلت تناديه بالــ”مُنْشِي” وهي كلمة تستخدم في الهند بمعنى المعلم.
أداء الشخصيات
قامت “جودي دينش” (Judi Dench) بدور الملكة فيكتوريا بينما قام (علي أفضل) بدور عبد الكريم. وفي لقاء تلفزيوني معه قال أفضل إنه تم اختياره من ضمن العديد من الممثلين لأداء هذا الدور. جودي دينش ممثلة خبيرة وقد أتقنت أداء دورها بلحظاته الطيبة الحساسة والأخرى الشديدة الحاسمة، فظهرت في ضعفها تبكي أمام عبد الكريم وتشكو له حالها وهي أقوى امرأة في العالم، ووقفت أمام حاشيتها توقفهم عند حدهم حين اعترضوا على ترقية عبد الكريم، رأيناها وهي مستقلة بفكرها وترد من رأسها، ورأيناها وهي تكرر رأي عبد الكريم كطفلة تتعلم الكلام من أبيها، وتمكنت من كل لحظات تلك الشخصية بنفس المستوى من الأداء.
ميدل بوست: فريق التحرير