أوجاع الحرب في قصص أباريق الملائكة لفاتح زيداني
موسى الزعيم : برلين
أباريق الملائكة هو عنوان المجموعة القصصيّة الصادرة مؤخرا ً للقاص و الفنان السوري فاتح زيداني
تضمّ المجموعة سبع عشرة قصة قصيرة، في هذه القصص يشتغل فاتح زيداني على موضوعات مختلفة مستوحاة من البيئة التي يعيش فيها وهي بيئة مدينة “ادلب” ومن خلال الأحداث الجارية فيها إبّان الثورة، وظروف الحرب، يسعى المبدع من خلال قصصه إلى التنقل بين عدّة عوالم، عبر الزمن الماضي من خلال ذاكرة تحفظ الكثير عن هذا الفضاء المكانيّ المشبع بالحكايا، وسهرات الأنس، يلمس القارئ ذلك مباشرةً من خلال بعض عناوين قصصه مثل ” حلم قديم „ ومن خلال أنسنة تفاصيل عدّة يتعلّق بها وجدان الراوي كما في قصة و”للطرقات ذاكرة وقلب”
لكن الحدث الأكبر الذي يشغل القاص في أباريق الملائكة هو تبعاتُ الحرب وماسيها وبالتالي انعكاسها على الأطفال تحديداً.
ففي قصّة “قبر من كرتون” يتجلّى الحزن في أقسى صوره في المأساة السورية من خلال طفلين صغيرين وكلبهما سهم حيث تحاول أمل الطفلة الصغيرة وفي يوم عاصفٍ باردٍ، جمع الحطب مع أخيها، لعلها تدفّئ أمّها المريضة القابعة في خيمة تلعب بها الريح الباردة، بعد أن خذلتها الوعود بعلبة الدّواء من سيّدة في إحدى المنُظمات ومن وعد سيّد أنيقٍ بخيمةٍ أفضل تلمّ شعثَ الأسرة الهاربة ِمن مِحرقة الحرب المجنونة.
تعصفُ الريح بالطفلين اللذين جسد فيهما الراوي صورة وألم مئات الآلاف الأطفال النازحين أصحاب الوجوه الشاحبة والسيقان اليابسة، تحضنُ الأختُ أخاها، تضمّه إلى صدرها تنفخُ في كفّيه وهما يحتميان داخل كرتونة قذفتها الريح الهائجة، ليجعل منهما الموت فيما بعد مادّة إعلاميّة ولوحات فنيّة تشاركها المعارض العالميّة، وكأن مأساتهما ما هي سوى مادة للعرض والفرجة لا تحرّك مشاعر البشر.
نجح فاتح زيداني في مشاركته الطبيعة أحداث قصته وإدخال القارئ إلى حيّز النص فالريح مجنونة هائجة والبرد إبر تنخر الأجساد.. ومع كلّ ذلك بقي قلب الطفلة أمل معلّق عند أمّها المريضة التي لم يبق لها من دنياها سوى طفلين سرقهما الموت في غمرة الحزن والخوف، بينما تبقى صورة الكلب تشارك رحلة الطفلين في لوحتهما في تيمة استمرار الوفاء.
أمّا في قصة العنكبوت فقد نجح الكاتب في استخدام الرمز للدلالة على فئة من العوالق استطاعت استغلال طيبة سكان المدينة لتتسلّق على أكتافهم وتستلم مراكز القيادة، رغم أنّها أدمنت حياتها في القاع في الظلام لكن في زمن الحرب قد تتشارك العناكب السوداء مع خفافيش الظلام في التحكم في رقاب الناس، لكن الراوي لا يملك من أسلحة الردّ إلاّ الصراخ في جهات المدينة الأربع انطلاقاً من وجدانه ومحبته المغروسة في هذه المدينة لربما صراخه يوقظ من بقي منهم على قيد الوجدان.
أباريق الملائكة والتي حملت المجموعة القصصّية عنوانها، فإن العنوان يرتكز على ذاكرتنا الطفولية حين كان يشتد ّالمطر كانت الجدّات يقلن لنا إنّ الملائكة تتوضّأ وهذه أباريق الملائكة تسكب خيراً على الأرض في إشارة منهن إلى أن الخير مُعلّق في السماء بيد الخالق.
في القصة تحاول الأسرة الحصول على القليل من الماء من أجل أطفالها العِطاش بينما الأب يشتهي كأس من الشاي يتلذذ بشربه على شرفته وهو يرقب الغروب ، لكن حالةً من الرّعب نجح الكاتب في رصد تفاصيلها و الهول الذي رافق تلك اللحظات من خلال القصف وسقوط القذائف على منزلهم حتى أنّ الأسرة نسيت عطشها ومحاولة حصولها على الماء لكن الأب الجريح يستطيع أن يتوحد مع خيالات طفلهِ وأمنياته ويدخل إلى مدارات أحلامه الصغيرة يخبره بأنّ الملائكة ستاتي مع أباريق من الفضّة تسقيه الماء، فالملائكة ستحقق بلا شكّ أمنيات الأطفال وهي قادرة على ذلك إن كانت لعباً أو تفاحة أو شربةَ ماء.
في القصة شرفة منزلٍ يرصد من خلالها الراوي لوحةً فنيّة طبيعية عند الغروب في غاية الجمال ومن ثم لتأتي بعد ذلك يد غريبة تعبث وتخرب هذه اللوحة، بالتأكيد هم الذين عنتهم المرأة الفقيرة في دعائها „ الله لا يوفّقهم إلى أين أوصلونا“
هذه الأباريق يستخدم فيها فاتح زيداني لغة بسيطة غير معقدة خالية من التكلف، غايتها إيصال تلك الرسالة رسالة المعانة زمن الحرب في بيئة يتقن رسم تفاصيها بريشته الفنيّة كما في قلمه، وهي ميزة انعكست على أسلوبه القصصي فهو يحتفي بالألوان داخل النص من خلال رصد المشهد البعيد والقريب ومن خلال زوايا متعددة والوقوف عند أدقّ التفاصيل مستخدماً عين الفنان الرسام في صياغة مشاهده القصصية، وهي تنكيك يجعل المتلقي يستنفر أكثر من حاسة للدخول إلى عوالم النص ّوالخوض في التجربة الشعورية له
أباريق الملائكة توثيق أدبّي قصصي لمرحلة مهمّة من تاريخ مدينة حافلة بالمآسي والأوجاع ،كان فاتح زيداني أمينا في رسم وتوثيق جزء منها بقلبه وقلمه.
المصدر: زي بوست